يقيمون في الغرب ويسألون عن طرق مناسبة للدعوة إلى الله عز وجل
السؤال:
نحن نعيش في بريطانيا حيث نرى كثيراً من المسلمين يرتكبون الكثير من المعاصي والموبقات، مثل الشرك، فترى بعضهم يعلق بعض الخرق القماشية السوداء على مؤخرة السيارة خوفاً من العين وما شابه ذلك. وهناك أخرين لا يصلون الصلوات الخمس وأناس يبيعون ما حرم الله. فهؤلاء كلهم، بالإضافة الى غير المسلمين أصلاً، بحاجة إلى دعوة وتذكير بالله. لذلك فكّر بعض الإخوة بأن يستخدموا بعض اللوحات الإعلانية التي على الطرق العامة لوضع بعض الملصقات الدعوية سواءً كان لدعوة المسلمين وتذكيرهم بالله أم لدعوة غير المسلمين. نحن ننوي فعل ذلك انطلاقاً من قناعتنا بأن الله سيسألنا يوم القيامة عن هؤلاء وعن ماذا كان دورنا في دعوتهم، لذلك نريد ان نأخذ بالسبب حتى نخلي مسئوليتنا أمام الله تعالى.
لكن السؤال هو: ما هي الرسالة الأمثل التي يجب إخراجها؟ لقد فكّرنا بأن نركز على وجوب عبادة الله والعودة إليه والخوف منه، وأنه رحيم يقبل التوبة..هذا بالنسبة للمسلمين. أما غير المسلمين فنقول لهم أننا نؤمن بعيسى رسولاً..إلخ. فما رأيكم في هذه الفكرة؟ كما أننا ننوي أيضاً أن نشير الى رابط موقعكم كمرجع يعود إليه الناس للتزود بالمواد الدينية، لكني أتمنى لو أنكم تنشئون قسماً خاصاً لغير المسلمين يتناول موقف الإسلام من غير المسلمين وبعض المواد الدعوية الأخرى، حتى تتم الفائدة. ولكن قد يكون استخدام هذه اللوحات الإعلانية مكلفاً لذلك ربما نستخدم الطريقة الأكثر شيوعاً وهي نشر المطويات واللفافات الورقية، وإذا لجأنا لذلك فإن هناك مشكلة سنواجهها ولا ندري كيف نتعامل معها. فكما هو معلوم أن المطوية لا بد من أنها ستحتوي على بعض الأيات القرآنية والنصوص الدينية، وسيتم توزيعها لمختلف الناس، وسيُرمى بعض منها ولا شك، وفي ذلك عدم توقير، فما العمل إذا لتجنب الوقوع في هذا المزلق؟
فأرجو من إخواني القائمين على الموقع النصح والتوجيه، وتأكدوا أنّنا لو علمنا طريقة نعالج بها قضايانا هذه ما شغلناكم ولا أزعجناكم بالسؤال، فنحن نعلم مدى انشغالكم. شاكرين مناصحتكم، ولكم من الله جزيل الأجر والمثوبة.
الجواب:
الحمد لله،
أولا: نحمد الله تعالى أن وفقكم أيها السائل الكريم للعناية بأمر الدعوة، وهداية الناس في بلاد الغرب التي تعيشون فيها، ونسأله سبحانه أن يبارك في جهودكم، وأن يجعلكم هداة دعاة لدينه ورضوانه، سبحانه.
وأما ما سألت عنه من أمر الدعوة، فالذي نراه ان اللوحات الإعلانية غير وافية بالمقصود على الوجه الأمثل، حتى لو كانت كلفتها المادية متاحة لديكم.
لكن مع ذلك، يمكن استغلال مساحة مناسبة منها كإشارات عابرة وسريعة، إشارات تقرأ بسرعة لمن يراها، وتعينه على إعادة النظر في حاله وما هو عليه، وتتضمن مع ذلك إرشادا لمكان آخر يمكنه أن يتزود فيه من الدعوة والمعلومات الصحيحة عن الدين، أو يرشده إلى رسالة مكتوبة، أو مطوية من التي تقومون بإعدادها، أو ترجمة لمعاني القرآن، وهكذا، فالمقصد من ذلك أن اللوحات الإعلانية ينبغي أن تكون رسالتها مقتضبة جدا، لأنها سوف تقرأ بسرعة جدا، فقد تمثل تنبيها، أو إزعاجا لقارئها عما هو عليه من الحال.
وأما المطويات، والنشرات، والكتب، والأشرطة المسموعة أو المرئية، ففرصة النفع بها أكثر، ومجالها أوسع لتوصيل الرسالة بحسب حال الناس وما يحتاجونه.
وينبغي أن يكون لديكم نوعان مختلفان من هذه المطبوعات الدعوية:
الأول: يصلح للمسلمين الذين يعيشون في هذه البلاد، يحثهم على الحفاظ على هويتهم الإسلامية، وعدم التفريط في شيء منها، وتنشئة أجيالهم على ذلك. ثم يوعيهم بالمخاطر التي تواجه المسلم في دينه، وهو في هذه البلاد؛ مخاطر الشهوات التي تحيط به من كل مكان، ومخاطر الشبهات وفساد الاعتقادات التي يمكن أن تزلزل اعتقاده.
وأما النوع الثاني من هذه المطبوعات: فيكون موجها لغير المسلمين في هذه البلاد، ليبين لهم حاجة الناس إلى الدين بعامة، وحاجتهم إلى الإسلام بخاصة، ويشرح لهم باختصار ووضوح أصول الإسلام الاعتقادية، وما في هذا الدين من المزايا والمحاسن، وما فيه من النبع الروحي العظيم الذي يروي ظمأ هذه القلوب والأرواح العطاش إلى النور الصافي.
ثانيا: أما ما سألت عنه من إمكان إلقاء هذه الأوراق والمطويات، فبالإمكان التقلل من هذه المفسدة، قدر الطاقة، بتنبيه إرشادي لطيف، يرشد من يستغني عن هذه المنشورات إلى إعطائها لغيره، بدلا من رميها، أو وضعها في مكان مخصص تحددونه لذلك، أو إعطائها لأقرب مسجد أو مركز إسلامي، أو نحو ذلك من طرق الاستفادة منها.
على أنه إذا قدر أنه من يأخذها لن يفعل من ذلك كله شيئا، وأنه سوف يرمي بها، فإن المصحلة المرجوة من نشرها وتوزيعها، أعظم من مفسدة رمي هذه الأوراق.
هذا مع أن الأمر في الآيات والأحاديث المترجمة من العربية إلى لغتكم أخف بكثير من المكتوبة بالعربية، فليس للمترجم نفس حرمة الآيات المكتوبة بالعربية.
ومع اعتبار أنه يتساهل في تمكين الكافر من قراءة كتاب أو نشرة بالعربية، ولو كان فيها آيات قرآنية، ما لا يتساهل في تمكينه من المصحف الشريف.
وقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم كتابا يدعو فيه ملك الروم، وكان نصرانيا، إلى الإسلام، وفيه آيات من القرآن الكريم: «.. فَإِذَا فِيهِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ: أَسْلِمْ تَسْلَمْ، يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ، وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}» [رواه البخاري (7) ومسلم (1773)].
قال الإمام النووي رحمه الله في بيان فوائد الحديث:
" وَمِنْهَا: اِسْتِحْبَاب تَصْدِير الْكِتَاب بِبِسْمِ اللَّه الرَّحْمَن الرَّحِيم، وَإِنْ كَانَ الْمَبْعُوث إِلَيْهِ كَافِرًا.. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوز أَنْ يُسَافِر إِلَى أَرْض الْعَدُوّ بِالْآيَةِ وَالْآيَتَيْنِ وَنَحْوهمَا، وَأَنْ يَبْعَث بِذَلِكَ إِلَى الْكُفَّار وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ الْمُسَافَرَة بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْض الْعَدُوّ أَيْ بِكُلِّهِ أَوْ بِجُمْلَةٍ مِنْهُ، وَذَلِكَ أَيْضًا مَحْمُول عَلَى مَا إِذَا خِيفَ وُقُوعه فِي أَيْدِي الْكُفَّار. وَمِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوز لِلْمُحْدِثِ وَالْكَافِر مَسَّ آيَة أَوْ آيَات يَسِيرَة مَعَ غَيْر الْقُرْآن. " انتهى.
والحاصل:
أن المرجو منكم أن تستغلوا كل الوسائل المتاحة أمامكم، بحسب الوسع والطاقة. وأنه لا حرج عليكم في كتابة الآيات والأحاديث في النشرات التي توزعونها على الكفار، خاصة إذا كانت مترجمة بلغتكم، فالأمر فيها سهل إن شاء الله،
والله أعلم.