الحمد لله الذي أمر بالإيمان وموالاة المؤمنين، وبالبراءة من الكفر والكافرين، أشهد أن لا إله إلا هو ولي المتقين، قرن التوحيد بأصل الولاء والبراء، فلا يقبل الأول إلا ومعه الثاني، وأشهد أن محمدًا صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم عبده ورسوله، القائد الرباني، المبعوث بجمع الناس على المبدأ الإيماني، والبراءة من كفر كل كافر وثني أو مجوسي أو يهودي أو نصراني.
أما بعد:
فيا عباد الله: قد عظم الله تعالى أصل الولاء والبراء في الدين -أي موالاته وموالاة المؤمنين به، وتكفير ومعاداة الكافرين به- وجهادهم غاية التعظيم، حتى قرنه بالتوحيد الذي هو أصل دين الإسلام.
فأصل دين الإسلام قائم على إفراد الله بالعبادة، وما العبادة سوى توحيد المحبة المقتضي الخضوع بالطاعة، ومحبة الله تعالى تتجلى في موافقته بحب ما يحب من الأقوال والأعمال والأعيان والأمكنة والأزمنة، وما سوى ذلك، وموافقته فيما يبغض من الأقوال والأعمال والأعيان وما سوى ذلك.
قال ابن القيم:
ليس العبادة غير توحيد المحبة *** مـع خـضــوع القـلب والأركــان
والحـب نفس وفـاقـه فيما يحـب *** وبـغـض مـالا يـرتضـي بجنـــان
ووفــاقـــه نفـس اتبـاعــك أمـــره *** والقصد وجه الله ذي الإحسان
فإذًا معنى الولاء والبراء: أن توالي الله تعالى فتوالي أولياءه، وتتبرأ من أعداءه، وتحب ما يحب، وتبغض ما يبغض، وقد صح في الحديث: «من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان» [رواه أبو داوود من حديث أبي أمامة -رضي الله عنه-].
وقد جاء تقرير هذا الأصل العظيم، أصل الولاء والبراء، على أنحاء:
فأولًا: أمر الله تعالى المؤمنين أن يوالي بعضهم بعضها؛ قال الحق سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 55-56].
ثانيًا: نفى الإيمان عمن يوالي أعداء الله؛ قال تعالى: {كَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ * لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 21-22].
وقد بين الله تعالى هنا، أن كل من يرضى بولاية الله ورسوله والمؤمنين فعاقبته الفلاح؛ كما قال أيضًا: {وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [تفسير القرآن العظيم: 2/105].
ثالثًا: تبرّأ ممن يوالي الكافرين من دون المؤمنين؛ فقال عز وجل: {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ} [آل عمران: 28]؛ قال ابن جرير: "قد برئ من الله وبرئ الله منه؛ لارتداده عن دينه ودخوله في الكفر"، وقال ابن كثير: "نهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين أن يوالوا الكافرين، وأن يتّخذوهم أولياء يُسِرّون إليهم بالمودة من دون المؤمنين.
ثم توعّد على ذلك فقال تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ} أي: ومن يرتكب نهي الله في هذا فقد برئ من الله كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ} إلى أن قال: {وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّـهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا} [النساء: 144]" [تفسير القرآن العظيم: 1/466].
هذا وقد وصف الله تعالى الكفار بأنهم: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 10]؛ فكيف يحل لمسلم أن يواليهم إلا أن ينسلخ من إيمانه؟!
رابعًا: حكم على من يتولى الكفار أنه منهم، وقد حَكَم الله عز وجل بالكفر على من والى الكافرين، وظاهرهم على المسلمين؛ فقال تبارك وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة: 51]؛ قال ابن جرير: "ومن تولاّهم ونصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملّتهم؛ فإنه لا يتولى متولٍّ أحدًا إلا وهو به -وبدينه وما هو عليه- راضٍ، وإذا رضيه ورضيَ دينه فقد عادى ما خالفه وسَخَطَه وصار حكمُه حكمَه".
قال عز وجل: {تَرَىٰ كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّـهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَـٰكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة: 80-81].
خامسًا: بين أن موالاة الكفار من صفات المنافقين؛ قال تبارك وتعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّـهِ جَمِيعًا} [النساء: 138-139] وقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران: 100].
وهذا من صميم الولاء والبراء يشهد لذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ * بَلِ اللَّـهُ مَوْلَاكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ} [آل عمران: 149-150].
سادسًا: حذّر المسلمين من أن مقصود الكفار إخراج المسلمين عن دينهم، هذا ويخطئ من يظن أن الكفار يرضون من المسلمين بالتنازل عن جزء من دينهم، أو إرضاء الكفار باتقائهم إلى حين، بل قد أوضح تبارك وتعالى لعباده المسلمين أنّ الكفار لن يرضوا عنهم حتى يفارقوا دينهم الحق، ثم يكونون عبيدًا لمعسكر الكفر، فقال سبحانه: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ } [البقرة: 120]، وقال عزّ وجلّ: {وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً ۖ } [النساء: 89]، وقال جلّ جلاله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ } [البقرة: 109].
سابعًا: حذر من اتخاذهم بطانة؛ لأنهم لا يألون في إفساد المؤمنين، وقد حذر الله تعالى، من المسارعة إلى ابتغاء رضا الكفار، وخشيتهم، وابتغاء العزة عندهم؛ قال الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ ۚ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 118-119].
ثامنًا: بيّن أن الذين يسارعون في موالاة الكفار هم الذين في قلوبهم مرض؛ قال تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 52].
فكفى بهذه الآيات ذكرى وموعظة، وكفى بها زاجرًا للمؤمنين عن الوقوع فيما ينقض هذا الأصل الإيمانيّ العظيم، أصل الولاء والبراء.
فإياك إياك -أخي المسلم- وما يردده الذين في قلوبهم من مرض، من أهل النفاق والزيغ، من الفرح بظهور الكفار في البلاد، وإفسادهم للعباد، وإياك ثم إياك وإعانتهم بأي وجه من وجوه الإعانة، على مقاصدهم ومخططاتهم الخبيثة في بلاد المسلمين، أو الفرح بحكمهم لبلاد الإسلام وظهورهم فيها؛ فوالله إن الفرح بذلك، أعظم من الزنى وشرب الخمر، ومن أعانهم -ولو بشطر كلمة- فكل ما يترتب على علوهم في الأرض، من الكفر والفساد، وإضلال العباد فهو شريكهم على قدر ما شاركهم من الآثام.
ويظن بعض هؤلاء الذين استحوذ الشيطان على قلوبهم أن الكفار سيحلون السلام، ويؤمنون الخائف، ويحصل بعلوهم ظهور البركات، واجتماع الخيرات، وذلك كله من تزيين الشيطان لهم {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ ۖ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا} [النساء: 120]؛ فمتى كان صلاح حال الأمة على يد أعدائها الذين وصفهم الله تعالى في سورة التوبة -بعدما أمر بجهادهم- {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّـهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].
وسبحان الله ألم يقل الله تعالى: {لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ} ألم يقل: {لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ} ألم يقل: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ }.
ألا فإن الناس ممتحنون في إيمانهم؛ فثبت الله مسلمًا عرف الحق فاتبعه، ووالى الله ورسوله والذين آمنوا الذين وصفهم الله بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: 54].
وطوبى لعبد تبرأ من أعداء الله، وعلم الله من قلبه أن ليس فيه فرح بعلو الكفار وظهورهم، بل كان في قلبه من ذلك من البغض ما يتقرب به إلى الله زلفى، هؤلاء الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى؛ نسأل الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم.
هذا وأفضل الناس في هذا الشأن، وأعلاهم منزلة، مجاهد يبذل مهجته وماله؛ ليدافع عن الإسلام، ويذود عن حرمات وأعراض المسلمين؛ نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.
قلت ما سمعتم؛ وأستغفر الله لي ولكم؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، والصلاة والسلام على المصلى عليه في الأرض والسماء، محمد بن عبد الله وعلى آله النجباء، وأصحابه الفضلاء، وبعد:
فقد بينا بنصوص الكتاب العزيز، أن هذا أصل هذا الدين وقاعدته العظمى، التوحيد المقرون بعقيدة الولاء والبراء، ومما قاله علماء الإسلام في هذا الباب:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يواد إلا لله، ولا يعادى إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله".
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمهم الله-: "فهل يتم الدين أو يقام علم الجهاد أو علم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا بالحب في الله والبغض في الله، والمعاداة في الله، والموالاة في الله، ولو كان الناس متفقين على طريقة واحدة، ومحبة من غير عداوة ولا بغضاء، لم يكن فرقانًا بين الحق والباطل، ولا بين المؤمنين والكفار، ولا بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان".
قال أبو الوفاء بن عقيل: "إذا أردت أن تعلم محل الإسلام من أهل الزمان، فلا تنظر إلى زحامهم في أبواب الجوامع، ولا ضجيجهم في الموقف بلبيك، وإنما انظر إلى مواطأتهم أعداء الشريعة".
إننا -أيها الإخوة الكرام- عندما نعتز بديننا، ونتميز به، ونصدع بالحق الذي جاء به، ونرفض إفساد حدوده، وإزالة معالمه، واختلاطه بعماية الجاهلية، بمبدأ الولاء والبراء، إنما نحفظ ونصون هذا الهدى، الذي هو علاج البشرية جمعاء من تيهها وضلالها، ونضع أمام العالمين، هدى الله رب العالمين، صافيًا نقيًا؛ ليحيى من حي عن بينة، ويهلك من هلك عن بينة، وليهدي الله به من يشاء، ويضل من يشاء، ولئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
إنها رسالتنا -أيتها الأمة- أمانتنا التي حملنا الله إياها، وتركها لنا رسولنا محمد -صلى الله عليه وسلم-.
وليس من معنى مبدأ الولاء والبراء ولا مقتضاه أن نسفك الدم بغير حق، أو نريق دماء الأبرياء، أو نهلك الحرث والنسل، أو نسعى في الأرض فسادًا، بل نسير في الحرب مع الكافرين، وسلمهم، ومعاملتهم وهجرهم، على وفق شريعة الله تعالى، وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-.
وليس على أساس قوانين الأمم المتحدة الطاغوتية، ولا قرارات مجلس الأمن الذي يهيمن عليه دول كبرى مستكبرة فرعونية، بل نتبع في ذلك شريعة ربنا، وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم-؛ غير مضيعين عهد الله علينا: بأن لا نجعل للكافرين على المؤمنين سبيلًا، وأن نكون نحن الأعلون دائمًا {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، معتزين بديننا، وشريعة ربنا، شامخين بذلك بين الأمم؛ أذلة على المؤمنين، أعزة على الكافرين، نجاهد في سبيل الله، ولا نخاف لومة لائم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع علم الجهاد وانصر المجاهدين، واخذل أعداء الدين، ورد كيدهم في نحورهم يا رب العالمين.
اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، نسألك اللهم العفو والعافية والمعافاة في الدنيا والآخرة، وأن لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا، وانصرنا على القوم الكافرين.