دفق الخواطر حول (كلمة الحقِّ)
الكاتب : خباب بن مروان الحمد
1- (كلمة الحقِّ) قذيفة ربَّانية في وجه الباطل، تُزلزل كيانه، وتحطم أركانَه، وتقهره وتُهلكه، حتَّى يصل الهلاك إلى دماغه؛ فيعطب ويتلف، يقول -تعالى-: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ} [الأنبياء: 18].
ومَن القاذف إلا الله -تعالى-: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴿48﴾ قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49]، فهل ترى للباطل وأهله من باقيةٍ؟! وأي شيء سيبقى للباطل حتَّى يعيده ويبدؤه؟!
فلن يبق منه شيء أبدًا لأنَّه سيضمحل ويزول، فإنَّ الحق مجلجل أبلج، والباطل مهلهل لجلج.
والحق ناطقٌ ساحقٌ ماحقٌ، والباطل مخبطٌ مخلطٌ زاهقٌ: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].
أخرج البخاري بسنده عن عبد الله بن مسعود قال: دخل النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- مكَّة وحول البيت ستون وثلاثمائة صنمًا، فجعل يطعنها بعودٍ في يده ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81]، {جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ} [سبأ: 49].
لَوْ قَدْ رَأَيْتَ مُحَمَّدًا وَقَبِيلَهُ***بِالفَتْحِ يَوْمَ تُكَسَّرُ الأَصْنَامُ
لَرَأَيْتَ دِينَ اللهِ أَضْحَى بَيِّنًا***وَالشِّرْكُ يَغْشَى وَجْهَهُ الإِظْلامُ
والحق وإن ناوأه المناوِئُ، وكادَه له الكائد، وحاول أن يمكرَ بأهله الماكر، وأراد أن يطمس صورته، فإنَّه سيأتي يومٌ يقول فيه مَن كان على ذلك الباطل: {الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ} [يوسف: 51]، وسيعترف بأنَّه كان على باطلٍ وضلالٍ، {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} [يونس: 32].
2- (كلمة الحقِّ) كالمطر النَّازل من السَّماء؛ حيث تسيل به الأودية، وتفيض به العيون، وتسقى به الأرض بعد موتها، وينتفع بها الخلق منافِع شتَّى، وأمَّا الباطل فلو كان كثيرًا كثيفًا، فمآله إلى زوالٍ وسفالٍ واضمحلالٍ؛ {كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ ۚ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّـهُ الْأَمْثَالَ} [الرَّعد: 17].
3- (كلمة الحق) ما كانت تُقال لِتُقمَع، بل لكي يظهر أثرُها ويسْطَع، ويزهق الباطل ويُقلع، ولئن ابتُلي صاحبها فلا بدَّ له من أصدقاء صدق يُدافعون عنه، ولا يُبقونه لظلم السجَّان، ولا لطغيان السلطان، ولا لتجاهل الأصحاب والخلاَّن.
وتأمَّل في حالةٍ رسول الله محمَّدٍ -صلَّى الله عليه وسلَّم- حينما كان يعرض الإسلام على القبائل والوفود، ويطلب منهم نصرتهم؛ وذلك لأنَّ كلمة الحقِّ عزيزةٌ، وصاحبها عزيزٌ، فلا بدَّ مِن نصرته وحمايته، وتأمل قول الفاروق عمر -رضي الله عنه-: "إنَّه لا ينفع التَّكلُّم بحقِّ لا نفاذ له"، فالحقُّ لا بدَّ له من قوَّة تَحْمِيه، وتزيح العقبات والعراقيل الَّتي تواجهه، وصدق الله القائل: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّـهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25].
4- (كلمة الحق) ما هي إلاَّ جرأة نفسيَّة، وقوَّة داخليَّة، يدفعك إيمانُك الصَّادق لكي تقولها، بكلِّ ثباتٍ وإباء، ورسوخٍ وشموخ، وانتماء لها واستعلاء، تُشعرك بأنَّك (حرٌّ) في زمن كَثُرَ فيه العبيد، حيث انطلقت من عقال العبوديَّة لساحة وباحة الحريَّة فهنيئًا لك!
5- (كلمة الحقِّ) تحتاج لأشخاص يقولونها ويقولون بها، ويثبتون عليها ولا يتراجعون عنها؛ لأنَّها (حقٌّ)، والحق لا رجعة فيه.
6- (كلمة الحقِّ) إن صدرتْ عن رجلٍ أكبره النَّاس بها واحترموه وقدَّروه، فما بالك إن صدرتْ عن المرأة، فتحيَّةٌ كبيرةٌ لنساءٍ قائلاتٍ بالحقِّ كنَّ فيه أجرأ من الرِّجال!
7- كم من شخصٍ قال (كلمة الحقِّ) لم يخلص النيَّة فيها لله وحده، بل قالها يبتغي بها رضا النَّاس؛ ليكون ويكون! ويصعد على الأكتاف، وتهتف باسمه الجماهير! ولمَّا ابتلي وأوذي وكَّله الله إلى النَّاس فتخلَّّوا عنه! وكم مِن شخص ربَّاني قالها لإرضاء الله، بل في حالة إعراض النَّاس عنه، فحماه الله وعصَمه من أذى النَّاس، وإن أُوذي حباه الله بمحبَّة النَّاس ومناصرتهم له ولكلمته.
8- (كلمة الحقِّ) لها ضريبةٌ اشتكى منها كثيرٌ مِمَّن قالها، وهي بُعد كثيرٍ من الناَّس عن قائلها، إمَّا خوفًا مِمَّا سيحصل لهم من أذى السُّلطان أوِ النَّاس، أو أنَّ كثيرًا من النَّاس لا يُعجبهم الصّدع بالحقِّ؛ لأنَّ لسان حالهم كلسان حال من قال: {مَّا سَمِعْنَا بِهَـٰذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ} [المؤمنون: 24]، ومِمَّا جاء عن أبي ذر قوله: (مَا زَالَ بِي الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ حَتَّى مَا تَرَكَ الْحَقُّ لِي صَدِيقًا)، فكلمةُ الحقِّ ثقيلةٌ على النفس، ولهذا لا يتحمَّلها إلا القليل، لكن إن أرضيت بها الرحمن، فسيجعل لك من بعد عُسْرٍ يُسرًا.
9- (كلمة الحقِّ) قد تكون سهلةً ميسَّرةً إن كانتْ لا تغضب مَن قلتها أمامهم، لكنَّها مُرَّة للغاية إن قلتها أمام من تظنُّ أنَّهم سيأبونها ويُعرضون عنها، ويثنون أعطافهم نكاية بصاحبها، لكن حسبك أن تقرأ ما قاله الصَّحابي الجليل أبو ذر -رضي الله عنه-: أمرني خليلي رسول الله -صلَّى الله عليه وعلى آله وسلَّم- بسبع: «أمرني بحبِّ المساكين والدُّنوَّ منهم، وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي، وأمرني أن أصل الرَّحم وإن أدبرت، وأمرني أن لا أسأل أحدًا شيئًا، وأمرني أن أقول بالحقِّ وإن كان مرًّا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائمٍ، وأمرني أن أكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فإنَّهنَّ من كنز تحت العرش» [حسَّنه الألباني 5187 في تخريج مشكاة المصابيح].
10- (كلمة الحقِّ) مُرَّة فلا تزدْها مرارة بمرارة أسلوبك، وهي مقولة قيلتْ سابقًا، وهي مقولة حق كذلك، فمَن يريد أن يتكلَّم بالحق فعليه باللطف والرُّفق واللين والحلم والعلم، لعلَّها تصادف قلبًا خاليًا، فيتمكَّن قائلها من إيصالها إليه، وتذكَّر قوله -تعالى-: {اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَىٰ ﴿43﴾ فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ} [طه: 43-44]، فأمرهم الله باللين والرِّفق مع ذلك الطَّاغية، مع أنَّه -تعالى- يعلم في سابق علمه أنَّ فرعون لن يتذكر ولن يخشى، ولكنَّها المهارة في تأدية الحقِّ.
11- (كلمة الحقِّ) تقال في أيِّ مكانٍ، فهي كلمة نورانيَّة، وحجَّة ربانيَّة، ومنحة إلهيَّة، ولقد أخرج البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصَّامت -رضي الله عنه- قال: «بايعنا رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- على السَّمع والطَّاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله وأن نقوم أو: نقول بالحقِّ حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائمٍ» [متفقٌ عليه]. وهكذا هي دعوة الإسلام القائمة على الحقِّ والصِّدق والقوَّة، ومن يريد أن يكون مسلمًا حقًّا، فعليه أن يستعدَّ لهذا الحق؛ {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ﴿1﴾ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا ﴿2﴾ نِّصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ﴿3﴾ أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا ﴿4﴾ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴿5﴾ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} [المزمِّل: 1 - 6].
12- من شرف (كلمة الحق) أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- جَعَلَها (من أعظم الجهاد) حيث قال -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «إنّ من أعظم الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر» [أخرجه التِّرمذي 2174 وصحَّحه الألباني].
وفي سنن النسائي عن أبي عبد الله طارق بن شهاب البجلي: أن رجلًا سأل النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- وقد وضع رِجْله في الغرز: أي الجهاد أفضل؟ قال: «كلمة حق عند سلطان جائر» [رواه النَّسائي 4220 وصحَّحه الألباني].
قال الخطابي: وإنَّما صار ذلك أفضل الجهاد؛ لأنَّ مَنْ جاهَد العدو كان متَرَدِّدًا بين الرَّجاء والخوف، لا يدري هل يغلب أو يغلب، وصاحب السُّلطان مقْهُورٌ في يده، فهو إذا قال الحقّ وأمره بالمعروف فقد تعرض للتَّلف؛ فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد من أجْل غلبة الخوْفِ.
13- (كلمة الحق) كما أنَّها تُقال أمام السُّلطان، فلابدَّ من قولها أمام الجماهير والإخوان والأصحاب والحشود، ولربما يكون قولها أمامهم أصعب من أن تقال أمام السُّلطان!
فكم من جَريءٍ في كلمة الحقِّ أمام السُّلطان ضعيف جبان في قول كلمة الحقِّ أمام الجماهير؛ خصوصًا إن كانوا من أتباعه ويعلم أنَّ (كلمة الحقِّ) قد تخالف أكثرهم أو كثير منهم!
14- (كلمة الحقِّ) لا يُستحيى منها ولا ينبغي الخجل من قولها، فإنَّها كلمة أصلها ثابت وفرعها في السَّماء؛ لأنَّها كلمةً طيِّبةً ولا بد أن تكون كذلك.
عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «ألا لا يمنعن رجلًا هيبة النَّاس أن يقول بحقٍّ إذا علمه» [أخرجه التِّرمذي 3253 وصحَّحه الألباني].
وفي رواية عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لا يمنعن رجلًا هيبة النَّاس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزقٍ أو يقول بحقٍّ أو يذكر بعظيمٍ» [صحَّحه الألباني 1/324 في السِّلسلة الصَّحيحة].
15- السُّكوت عن قول (كلمة الحقِّ) أحيانًا هو من الحقِّ، وتذكَّر تلك القصَّة الواردة في صحيح الإمام مسلم حينما طلب رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- من حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه- أن يذهب إلى مكان المشركين ليأتيه بخبر القوم، وألاَّ يتحدَّث شيئًا أمامهم، ولا يفعل شيئًا يُذعرهم على المسلمين، فلو أنَّه تكلَّم أو دافع أو نافح عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- لكان في ذلك إفسادٌ للمقصد الَّذي بعث لأجله رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الصَّحابي الجليل حذيفة -رضي الله عنه-.
وما يتناقله كثيرٌ من النَّاس وينسبونه لرسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنَّه قال: «السَّاكت عن الحقِّ شيطان أخرس، والمتكلِّم بالباطل شيطان ناطق» لا يصح مطلقًا عن رسول الله فهو حديث باطل!
لكن ورد في (الرِّسالة القشيريَّة) لأبي القاسم القشيري -رحمه الله- أنَّه سمع الأستاذ أبا علي الدّقاق يقول: "من سكت عن الحقِّ، فهو شيطان أخرس"، وهذه الكلمة صحيحة في الأصل، لكنَّها ليست على جميع أحوالها صحيحة، فقد يسكت المرء عن شيء ما يستحق السُّكوت، ولا يستحق الكلام كما بيَّنا في قصَّة حذيفة.
ولربما يتكلَّم الشخص بكلمة حقٍّ، يكون مآلها زيادة إنكار المنكر، فسكوته في هذه الحالة أولى وأوجب.
ويتحدث الإمام ابن تيمية عن هذا السِّر قائلًا: "كنت آمر أصحابنا ألا يمنعوا الخمر عن أعداء المسلمين من التَّتار والكرج ونحوهم، وأقول: إذا شربوا لم يصدُّهم ذلك عن ذكر الله وعن الصَّلاة، بل عن الكفر والفساد في الأرض، ثمَّ إنَّه يوقع بينهم العداوة والبغضاء وذلك مصلحة للمسلمين، فصحوُهم شرّ من سكرهم، فلا خير في إعانتهم على الصَّحو، بل قد يستحب أو يجب دفع شر هؤلاء بما يمكن من سكر وغيره".
كما أنَّ من لا يستطيع إنكار المنكر إلاَّ بقلبه، فإنَّه لا يجب عليه أن ينكره بلسانه، فلقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: «من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» [رواه مسلم 49]، وفي روايةٍ: «وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» [رواه مسلم 50].
فمَن كان قادرًا على إنكار المنكر بلسانه ولكنَّه سكت فهو الشَّيطان الأخرس، ومن لم يكن قادرًا على إنكار ذلك المنكر بلسانه، فليس بشيطان أخرس.
16- (كلمة الحقِّ) تكون في الغضب والرِّضا، ولربَّما يقول الشَّخص كلمة الحقِّ في الرِّضا، لكنَّه لا يقولها في الغضب؛ لأنَّه إن اعتراه غضب فقد يمنعه من قول (كلمة الحقِّ) أو قبولها.
فحريٌّ بنا أن نسأله -تعالى- أن يرزقنا قول الحقِّ في الغضب والرِّضا، فلقد كان الصَّحابي الجليل عمار بن ياسر -رضي الله عنه- يقول مُخبرًا عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: أَمَا إِنِّي قَدْ دَعَوْتُ فِيهِمَا -يعني في الرَّكعتين- بِدُعَاءٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُو بِهِ: «اللهمَّ بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي، وأسألك خشيتك في الغيب والشَّهادة، وأسألك كلمة الحقِّ في الرِّضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيمًا لا ينفد، وأسألك قرةَ عينٍ لا تنقطع، وأسألك الرِّضاء بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذَّة النَّظر إلى وجهك، والشَّوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهمَّ زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين» [أخرجه النَّسائي 1304 وصحَّحه الألباني].
17- كم تأسَّى المسلمون من أناس قالوا (كلمة الحقِّ)، ولم يكونوا على قدر من القوَّة والتجلد والصبر عليها، فهانوا وخاروا وتراجعوا، فظنَّ بعض النَّاس أنَّ الخطأ في (كلمة الحقِّ)، وما علموا أنَّ المشكلة فيمن قالوها؛ لضعفهم عن تحمُّل ضريبة قول (كلمة الحقِّ).
18- من يعلم عن نفسه جبنًا وخورًا وضعفًا ويريد أن يستعرض بطولاته وعضلاته فيقول (كلمة الحقِّ)، ثمَّ ينتكس بعدها ويرتكس إن ابتلي، فخير له أن يصمت، فقد قال -تعالى-: {لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وثبت عنه -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الصَّحيح أنَّه قال: «اكلفوا من العمل ما تطيقون» [رواه أبو داود 1368 والنَّسائي 761 وابن ماجه 3437 وصحَّحه الألباني].
ساهم في نشر هذه المادة :